تضرب مواجهة المنتخبين الأرجنتيني والهولندي في ربع نهائي كأس العالم، جذوراً في تاريخ المونديال، ذلك أن الصراع بين المدرستين العريقتين امتد على مدى 48 عاماً بمجد وإرث لا يُمحى، حتى بات لقاء العملاقين أحد الفصول الكلاسيكية في حكايا كرة القدم العالمية.
ويرى العالم المواجهة الحالية المقرّرة غداً على استاد لوسيل، أنها عنوان لطموح النجم ليونيل ميسي في مُواصلة المشوار بالمونديال الحالي، حتى لا يُغلق كتاب تاريخه الشخصي المليء بالإنجازات إلا وقد توّج بالكأس العالمية التي تنقص خزائنه، وبالتالي يبصم على مسيرة مُذهلة تكف البعض عن عقد المقارنات بينه وبين مواطنه الأسطورة الرحل دييغو أرماندو ماردونا، الذي جلب لبلاده لقب المونديال وحده تقريباً في المكسيك عام 1986.
فيما يجد البعض الآخر أن قدوم هولندا إلى المنافسة دون ترشيحات، قد يُبعد الأنظار عن أشبال المدرب لويس فان خال العائد من الاعتزال، لتجاوز المنتخب الأرجنتيني والمضي قدماً نحو وضع الحد لنحس طال منتخب الطواحين الذي لازمته عُقدة الوصافة في ثلاث مناسبات أعوام 1974 و1978 و2010.
التكهن بهوية المتأهل إلى الدور نصف النهائي وانتظار الفائز من مُواجهة البرازيل وكرواتيا، سيكون صعباً، دون قدرة المُراقبين والمُتابعين على منح أي طرف الأفضلية على الآخر، لاسيما أن الأداء الذي قدّمه المنتخبان، لم يرتق إلى حد امتلاك أي منهما ملامح البطل، عطفاً على الصورة التي ظهرا عليها في سابق الأدوار، رغم واقعية إنجاز المهمة في الوصول إلى المرحلة الحالية من المنافسة.
ويقول تاريخ مواجهات المنتخبين أن الثأر كان دائم الحضور، فالموعد المُحدّد بينهما غداً، يحمل في طيّاته رغبة انتقام هولندية من الخسارة أمام الأرجنتين في نصف نهائي مونديال البرازيل 2014، وهي الخسارة التي حرمت الهولنديين من بلوغ النهائي الثاني توالياً لمُحاولة نيل اللقب الأول في تاريخهم، في حين أن الفوز على هولندا لم يكن فأل خير على رفاق ليونيل ميسي بعدما سقطوا أمام ألمانيا في النهائي بهدف مُتأخر في الوقت الإضافي، لتستمر خيبة أمل الأرجنتين في الوصول إلى اللقب الثالث، وفق تقرير نشرته وكالة الأنباء القطرية.
وإذا كان اللقاء الأول في ألمانيا 1974 بلا سوابق، ليجد المنتخب الهولندي الفرصة لتكريس سطوته خلال حقبة تاريخية من التميز عالمياً، فتجاوز المنتخب الأرجنتيني برباعية نظيفة أكدت على الفوارق الفنية التي صبّت في صالح المُنتصر، فإن اللقاء الثاني في نهائي مونديال 1978 ما زال يحمل الكثير من الأسرار التي لم تُكشف حتى الآن، وسط غصّة هولندية على الخسارة بهدف لثلاثة في الوقت الإضافي بعدما انتهى الوقت الأصلي بالتعادل بهدف لمثله، حيث سال آنذاك الكثير من الحبر حول الأسباب التي دعت النجم الأبرز للكرة العالمية في حينها “يوهان كرويف” للتغيّب بصورة مفاجئة، هذا إلى جانب حديث عن الطريقة التي تأهل بها المنتخب الأرجنتيني صاحب الأرض إلى الأوار المتقدمة حتى نال لقبه الأول في كأس العالم.
وغابت المواجهات المباشرة بين المنتخبين في المونديال عقدين كاملين، قبل أن تعود في نسخة فرنسا 1998، وكان الموعد آنذاك في ربع النهائي، في واحدة من أجمل المباريات، بدليل أنها ما زالت عالقة في أذهان الجماهير حتى الآن، حيث كانت صفوف المنتخبين تعج بالنجوم، وقد دخلا المنافسة من بين المرشحين للفوز باللقب، حيث تقدم المنتخب الهولندي بعد 12 دقيقة عبر المهاجم باتريك كلويفيرت، لكن المنتخب الأرجنتيني عدّل النتيجة بعد ست دقائق فقط عبر كلاوديو لوبيز، وفي الوقت الذي كانت فيه المباراة تتجه صوب التعادل وبالتالي اللجوء إلى الأوقات الإضافية، أرسل فرانك دي بور كرة طويلة صوب المهاجم دينيس بيركامب الذي روّضها بطريقة مذهلة وأطلقها قوية في الشباك الأرجنتينية مانحاً المنتخب الهولندي الفوز والعبور إلى نصف النهائي، بيد أن الحظ لم يُسعف الطواحين في مُواصلة المشوار إلى النهائي عندما خسروا أمام البرازيل بركلات الترجيح 2 – 4 بعد التعادل بهدف لمثله في الوقتين الأصلي والإضافي.
وتقابل المنتخبان مُجدداً في مونديال ألمانيا 2006 وانتهى اللقاء الذي جرى لحساب دور المجموعات بالتعادل السلبي بعدما كانا قد ضمنا التأهل إلى ثمن النهائي، ثم تكرّر اللقاء في نصف النهائي عام 2014 فكان المجال رحباً للمنتخب الأرجنتيني كي يثأر من خسارة مونديال فرنسا، ففاز رفاق ميسي بركلات الترجيح بعد التعادل السلبي في الوقتين الأصلي والإضافي.
وكما كان التاريخ حافلاً بالصراع المباشر بين المنتخبين، فإن المواجهة التي ستجمعها غداً تعتبر واعدة أيضاً، حيث يدخل المنتخب الهولندي اللقاء بعد سلسلة من عدم الخسارة في 19 مباراة منذ الأمم الأوروبية الأخيرة، في حين أن الخسارة أمام السعودية، كانت قد أوقفت سلسلة أرجنتينية من 36 مباراة بدون هزيمة من بينها التتويج بلقب كوبا أمريكا الذي طال انتظاره.